About Wala Kif - Annahar
Fairouz is the magic, for whom the moon has bowed

 

 

Home
Back
About Fairouz
Fairouz's Albums
Fairouz's Photos
Fairouz Fans
Fans Writes
Fairouz's Links
Documents
Fans Entertainment
downloads

الجمعة 4 كانون الثاني 2002  

 

"ولا كيف" جديد فيروز وزياد الرحباني

"طحشة" موسيقية - كلامية توقظ جدلاً... لم يَنَمْ

 

ما من عمل مشترك للسيدة فيروز وزياد الرحباني الا يثير جدلا، وهذا ما الفناه من "معرفتي فيك" وصولا الى "مش كاين هيك تكون". ولا نحسب ان الالبوم الاخير "ولا كيف" سيكون استثناء على هذه القاعدة، فعشاق فيروز داخل البرواز الرحباني اذا صح التعبير لن يترددوا حين سماعهم هذا العمل في ابداء شديد التحفظ عن مضمونه الموسيقي والكلامي، في حين ان جمهور فيروز "الزيادية" كما سميناها في مقال سابق في "الدليل" سيرحّب ايما ترحيب بهذا الانتاج الجديد.

طبعا، يمكن المرء الا ينتمي الى هذا "الحزب" ولا الى ذاك. بمعنى ان يتبنى موقفا حياديا ويكتفي بالاشادة بالشريط انطلاقا من كونه حدثاً يجمع فيروز وزياد مرة جديدة، ويضخّ بعض النبض في الشرايين الفنية شبه الميتة راهنا. لكن التدقيق في هذا العمل يظهر انه لم يحد عن الخط البياني الذي رسمه زياد منذ قرر مفاجأة الجمهور بأعمال مع فيروز، تخرج عن المألوف الرحباني. بل ان العنوان العريض لـ"ولا كيف" يكاد يكون "طحشة" زيادية تنغمس اكثر فأكثر في الالوان الموسيقية الغربية على حساب ارباع الاصوات وما يدور في فلكها. ولا ينطبق هذا الكلام فقط على الالحان الشائعة الثلاثة التي استعارها زياد من اوروبا واميركا اللاتينية ولبننها مستعينا بالصوت الفيروزي الدافئ، بل يشمل ايضا انتاجه الموسيقي الذاتي والذي يضم "صباح ومسا"، "تنذكر ما تنعاد"، "انا فزعانة" و"انشالله ما بو شي". اما "صبحي الجيز" فتظل حالة خاصة لأنها ليست جديدة بل مستعادة في ذكرى صديق وسبق ان اداها الفنان خالد الهبر.

زياد اذاً "غربيّ" في ذائقته التي تختار ما هو محبب الى مسمعها وترميه في الملعب الفيروزي ليصبح اكثر جمالا، وكذلك في ما يصوغه من نوطات ويعتبره مرآة لمشروع موسيقي يجب ان يتابعه سواء كان وقعه على الجمهور سلبيا او ايجابيا. لكن هذه "الطحشة" لن تمر من دون عواقب. فكثيرون سيطرحون السؤال: لماذا يصر زياد على اتباع هذا النهج، وهو القادر اكثر من سواه على الغرف من معين الموسيقى الشرقية وله تجارب عديدة في هذا السياق مع فيروز وسواها؟ واذا كان قد اعتمد المزاوجة بين الغرب والشرق في اعمال ماضية ووفق فيها فلماذا يكسر هذه القاعدة اليوم ويتمرد عليها ويكتفي منها بومضات خجولة صادفناها في العمل الحالي عبر "انشالله ما بو شي" الـسـريعة الايقاع، وقد لا نقع عليها في اي عـمـل مـقـبل اذا ظل زياد على منحاه المتطرف؟.

ونصل الى كلام الاغنيات الذي يستحق بدوره وقفة كونه الوجه الآخر لـ"الطحشة". هنا ايضا يصل زياد الى الذروة قياسا بما سبق ان كتبه لفيروز. انها الواقعية الفاقعة التي امتاز بها في الرعيل الاول من مسرحياته وحرص على ابرازها لاحقا في كلماته المغناة مخترقا كل القواعد والاعراف. ولئن كانت عبارة "ملاّ انت" كافية لاحداث ضجة عارمة لدى بلوغها الآذان قبل

اعوام، فهي لا تعدو كونها تفصيلا ضئيلاً في هذا الكم الهائل من الخروج على المألوف الذي انطوى عليه "ولا كيف". ويمكن القول هنا ان اغنية "تنذكر ما تنعاد" التي قدّمت في مهرجانات بيت الدين كانت بمثابة بروفة لما سيليها من نصوص غنائية هي اقرب الى الحديث الشعبي اليومي منها الى النظم التقليدي الذي يحاول الارتقاء الى مصاف الشعر ولا يُفلح. ويكفي المستمع ان يطّلع على تلك النصوص من غلاف الشريط ليدرك مقدار التفلت الذي حققه زياد، مع الاشارة الى ان اختيار عنوان العمل ليس غريبا عن هذه الاجواء، فالرحباني لم يقتدِ بسواه لجهة انتقاء اسم اغنية تفي بالغرض، بل اكتفى بكلمتين من اغنية "بيذكر بالخريف"، علما ان لحنها ليس له.

وفي العودة الى الموسيقى، بدا صوت فيروز متكئا على خلفية مريحة من الميلوديات الصادرة عن طائفة واسعة من الآلات، مما ساعد في اعطاء التوزيع المتقن حقه. فكأن زياد يصوغ موسيقى في ذاتها معطيا اياها الاولوية ثم ينادي الشدو الفيروزي ليتمم عناصر اللعبة الجمالية. والحق ان ترجمة النوطة في افضل صيغة كانت دائما هاجس الرحباني الذي شكا مرارا من قلة الامكانات المحلية، ومن الواضح انه حقق مراده في هذا العمل بعدما وسّع شعاع الفرقة الموسيقية مستعينا بعازفين اجانب سبق ان تعاون معهم في مهرجانات بيت الدين. والنتيجة: بحر من الانسياب الموسيقي الاخاذ تتعالى امواجه خصوصا في "صباح ومسا" و"تنذكر ما تنعاد" و"انا فزعانة".

وليست مصادفة ان يبثنا زياد عشقه للموسيقى على اختلاف انماطها عبر الاغنية الاخيرة، اذ تتضمن دعوة الحبيبة لحبيبها الى اعطائها خمس دقائق والاصغاء قليلا الى الموسيقى قبل ان تقوده قدماه الى درب الرحيل.

يبقى ان زياد يأبى الا ان يكون الاخوان رحباني حاضرين في انتاجاته، ولو في اطار كاريكاتوري محبب يقارن رومنسية الامس التي تحلّق فوق  الصعاب بواقعية اليوم التي تصطدم بألف جدار. ففي الزمن الجميل، انشدت فيروز "دقيت طلّ الورد ع الشباك" و"يا ريت انت وانا بالبيت"، لكننا نسمعها تقول في اغنية "لا والله": "كيف طل الورد بشباكي مع انو ما دقيت" و"بس كل واحد ببيت". انها السـخرية المرّة التي تظلّ لصـيقة بالرحـباني حتـى العــظم.

بول قطان

 

 

 

الجمعة 11 كانون الثاني 2002

 


 

"ولا كيف"

لا يبدو فيديو كليب اغنية "ولا كيف" للسيدة فيروز، اعداد زياد الرحباني واخراج ريما الرحباني الذي يبث على شاشة MTV الا اعلاناً ترويجيا للشريط الجديد "ولا كيف" للرحباني والسيدة فيروز. فما ان يبدأ الكليب حتى تنتهي الاغنية من نصفها، فيحدونا شوق لمعاودة بثها من جديد والاستمتاع بها في حين نأمل ان يكون للفيديو كليب تتمة او ان تُبتكر فكرة جديدة وفريدة تليق بسفيرتنا الى النجوم لتصوير اكثر من فيديو كليب من شريطها الغنائي الجديد بأسلوب ريما الرحباني المميز، نظرا الى ندرة اغنياتها المصورة، بصرف النظر عن حفلات المسرح والمهرجانات وما تمتعنا به بين الحين والآخر بعض الشاشات الفضائية العربية وابرزها قناة art "الطرب" حيث تبث اغنيات فيروزية قديمة مصورة بالاسود والابيض، تعود بنا بالصوت والصورة الى زمن لن يعود الا من خلال صوت فيروز المتعدد الفصول والايام الزاهية.

 

"ماهر"

 

السبت 29 كانون الاول :2001     

"ولا كـيـــف" لـفـيـــــروز  وزيــاد

مـيــوزيـــكـال لـمـديـنـــة مـن "حـجـــار وغـبـــار وصــنـاديـق"

 

 

وداع آخر اسبوع من عام افترسته السخونة وخذله الدفء، واستعداد لاستقبال اوّل الاسابيع من سنة جديدة في مدينة دهمها الشتاء. على وقع زخّات المطر، خرجت في ساعة مبكّرة من الصباح بحثا عن سيارة اجرة. وجدتها. بخلاف ما توقّعت، اقترب مني سائق مرسيدس عمومية. بإشارة من يده، ناداني الى الصعود وكأنه كان يهمس بأصابعه الى بائعة هوى لفتت انظار المارة الى وقوفها وحال انتظارها. ركبت السيارة وجلست خلف سيّدة مسنّة احتلت المقعد الامامي. طوال الطريق الممتدة من البسطة الفوقا الى حيّ الصنائع فشارع الحمراء، علت زينة رمضان وعيد رأس السنة في فضاء بيروت وتسلّق مطربو السهرات العامرة والشراب المفتوح في المطاعم والفنادق اعمدة الكهرباء وعانقت اعلانات حفلاتهم الغنائية ووجوههم المرسومة بالبويا الحمراء والصفراء والخضراء الجسور الحديد المعلّقة في الهواء وتدلّت من اطرافها وترجرجت من فرط اهتزاز الجسور بثقل حمولة السيارات وعجلات الشاحنات العابرة فوقها.

****

في منتصف المسافة الفاصلة بين نقطة انطلاقي ومقصدي، مررت بجامعَي البسطة الفوقا ونظيرتها التحتا وعبرت بي سيارة الاجرة بالقرب من عربتَي اسعاف مخصّصتين لنقل الموتى كانتا جاثمتين امام مدخلَي الجامعَين. مزيد من المتوفين، مزيد من اوراق النعي، مزيد من الغائبين. "لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم"، قالت المرأة بعدما ضاق صدرها من زحمة السير. اما انا فتشبّثتُ بمظلة تفاخرت بشرائها قبل يومين واعجبت بقماشتها الزيتية التي لها من الوسع والكبر ما يجعل حاملها الماشي في وحدته مغموراً بحنان ظلّها الوارف. في منتصف شارع الحمراء، نزلت وبدأت من داخل السيارة بفتح المظلة متداركا اصابتي بقطرات المطر، لكن ما ان سرت خطوات معدودة حتى راح المطر يتراجع ويقل الى ان تحوّل رذاذا وتلاشى امام انقشاع الغيوم عن اشراقةٍ حسبتُها الاولى للشمس في ذاك النهار المتوسط البرود. في صراحة، لم اهنأ بتدشين شمسيتي الجديدة. قفلتها واعدت توضيبها داخل غلافها البلاستيكي الرمادي الذي لم يكن سميكا قدر ما بدا لي عنيدا. مع الشمس، تابعت سيري لامحا الزينة نفسها منصوبة على رؤوس الاعمدة او مثبتة على واجهات المتاجر.

****

من بين الزواريب الضيقة، تسرّب نور الشمس، عاكسا شعاعا خافتا على زجاج احد المحال المخصصة لبيع الاسطوانات والتسجيلات الموسيقية المتقابلة والمتلاصقة بجانب بعضها البعض على طول الرصيفَين المتواجهين في الحي الخلفي الممتد من مبنى سينما ستراند الى تقاطع مفارق شارعي المقدسي وجان دارك. فجأة، رأيتها. من بعد غياب دام اشهرا، رأيتها. "ولا كيف" عنوان شريطها الجديد، ولا ادري كيف جاءت عينها في عيني. بعد تكبيرها، بدت صورة غلاف الشريط المعلّق على باب المحل مختصرة في عينيها. بالتحديد، رمقتني بحدقة عينها اليسرى. من وجهها المسند الى نافذة صغيرة، اتضح لي ان صورتها التُقطت من داخل سيارة - هل كانت في حوزتها شمسية على شاكلة شمسيتي؟ ما اجمل صباحا يخطف النظر بفيروز وتنهي به فيروز نكد المشي في بيروت. الصباح هو اولى كلمات الاغاني التي كتبها زياد الرحباني ولحّنها ووزّعها في احدث عمل موسيقي يطلّ به مع فيروز منذ ظهورها في الدورة الاخيرة لمهرجانات بيت الدين في الصيف الفائت.

تغنّي فيروز:

"صباح ومسا شي ما بينتسى

تركت الحبّ واخذت الأسى"

في مثل هذا الكلام، لا يحدد المتكلّم بما هو "انا" او "انت"، اذ لا يُعرف من ترك الحب ومن اخذ الاسى. يتماهى العاشق في نفسه وفي معشوقه معا ويبوح بذاته وبمن استحوذ عليها في آن واحد، وهي حالي مع بيروت واهلها. أسمع موسيقى زياد الرحباني وانصت الى كلماته مغنّاة بصوت فيروز فأرى بيروت، أتحسّس زواياها الضيّقة وبيوتها المسكونة بأصداء شوارعها وغرفها المنذورة لنوافذها المشرّعة على ألف حكاية وصورة وبشرها المنغلقين على عيونهم والمنكفئين الى الطرق المفتوحة على فوضى اصواتها المتناغمة، كأنها وُجدت لتعطي الجاز نظامه المتمرّد اصلا على كل نظام، مدينة الحشد والحشر هي ايضا مدينة الامحاء والتواري وبيروت اللامكان، تستأنس بخدعة حب الناس لها، ناسها، وما الخدعة سوى حيلة لاستدراج الحبّ واهله الى الاستئناس بيتمهم وانطوائهم على ما تبقى في امكنة لم يعد يسعها الا محاكاة كل ما امسى غائبا او كل ما يخشى غيابه: "شو بخاف دق عليك وما لاقيك، شو بخاف نص الليل ما حاكيك"، تشدو فيروز في توزيع زياد، الحار والحميم، لمقطوعة الجاز البرازيلية "صباح في الكرنفال" (لويز بونفا وانطونيو

دو ماريا)، وتضيف فيروز "انا فزعانة" في اغنية اخرى تحمل هذه العبارة في عنوانها ويكاد معناها العام في سياق كلماتها وقالبها الغنائي يكون رجع صدى لما غنّته فيروز سابقا في "في شي عم بيصير"، لكن الخوف في هذه الاغنية تحديدا يبدو قرين الخشية من نسيان الحبيب لمحبّه اكثر مما هو ناجم عن لوعة غياب الحبيب. في هذه الاغنية او تلك، تظل رعشة الخوف معقودة على بقاء الحب الى ابعد أمد: "شو بداري هالحب حتى يدوم" ("شو بخاف") و"مهلني خمس دقايق بس" ("انا فزعانة"). سواء أكان الغياب ام النسيان رديف الخوف او الخشية، فما من شك في ان الصوغ الشعري والحوك الموسيقي في كل اغنية يأتيان متحررين من الايحاءات الطللية ولا تغريهما الكآبة ولا ادب النعي الشائع، مثلما لا ينضويان في معرض التشكي والحزن البليغ او التشفي. يختصران نفسيهما بخاطرة قلق فحسب وبرغبة في الاطمئنان: "خبّرني عن اخبارو شو اخبارو" ("انشالله ما بو شي"). ذاك ان الحب في كلمات زياد الرحباني والحانه المؤداة بصوت فيروز لا يقبل الجحود ولا يعرف استغابة الحبيب بل يعيش في غربة غيابه وينقلب اساه غفرانا للنفس وتوقا الى وجد الآخر، وفي ذلك غفران للوجد وكرمى له: "حبيبي كان هني وسهيان ما في غيرو/ حملني سنين منهن هينين يكتر خيرو" ("صباح ومسا"). لا تأسر هذه المشاعر نفسها في حدود الاغاني الآنفة الذكر، فسرعان ما تنتقل من عالمها المجرّد لتنسكب في حديّة الواقع واحوال الحب في صراحتها المباشرة. مع صدور شريط "ولا كيف"، يتجدد صوت فيروز في طواعيته الهائلة وشحنته العاطفية الدافئة. هو هنا اكثر إلفة وتماهيا في وسع انواع الموسيقى التي يصوغها زياد الرحباني ويعتقها في رؤيته الموسيقية الرحبة، من كلاسيكية الاغنية الشعبية الى ايقاع الفولكلور المستتر في اهزوجة الآلات واصوات الكورال المستخدمة مثلا في مقاطع بارزة من "تنذكر وما تنعاد"، مرورا بالجاز اللاتيني في "شو بخاف"، وصولا الى الاقتباس الحر للحن "لا بامبا" في "لا والله" والتوزيع المثنى والمؤثر على البيانو لأغنية Les feuilles mortes. تجيد فيروز استعمال ربع صوتها وتحويله كلاما مغنّى، حيث تجد الاغنية مرادفها المشهدي في الصور المستلة من الواقع، حيث يضحي "صبحي الجيز"، وبنبرة الشوق والحب اياهما، الانسان المفتقد في مدينة ألفت الغياب والنسيان ومحو الوجوه والصور. مرّة اخرى، اسمع موسيقى زياد وارى بيروت في مرآتها، لكن بيروت الرحباني ليست مدينة ولدت من حكاية خرافية او يُعبّر عنها بمثل هذه الحكاية، وليست ايضا مجاز مدن العصر، بل هي في اغاني الرحباني اقرب الى ميوزيكال بُني ديكوره من "حجار وغبار وصناديق"، هي معالم المدينة مثلما تركها "صبحي الجيز" حين رمى مكنسته في شوارعها وغادرها. ثمة الانسان وارض الواقع في كلام زياد الرحباني ولحنه وشعره المغنّى، وثمة السمو في صوت فيروز ولئن بلغ هذا السمو الهيته في ترنيمة "يا مريم"، المعاد توزيعها موسيقيا في الشريط على نحو اخاذ، الا ان روح الدعاء في هذه الترنيمة تبلغ سموها في توجه كلماتها الى الانسان في ارضه.

****

قبل اعوام عدة، اصدر زياد الرحباني شريط فيديو وسماه "موسيقى على قيد الحياة في بيروت". كان يقصد به الاشارة الى محاولات موسيقية صعبة ما زال ممكنا القيام بها في مدينة ماضية الى مستقبل مجهول في حمأة الحرب الدائرة في شوارعها. اليوم، ورغم مرور اعوام عدة على نهاية الحرب، يأتي شريط "ولا كيف" مثبتا ان موسيقى زياد وصوت فيروز هما من بعض الاشياء القليلة التي توفّر لهذا البلد امكان البقاء على قيد الحياة. "عطيني خمس دقايق بس سمّعني موسيقى"، تغني فيروز في "انا فزعانة". تحت رذاذ المطر، خرجت من محل بيع التسجيلات الموسيقية ووضعت شريط فيروز في جعبة سترتي. حملته في صدري ومشيت. رأيت الصور والزينة نفسها معلّقة على واجهات شارع الحمراء واعمدته وجدرانه. في وسع هذا المنظر ان يتكرر يوميا. لا شيء يمكن ان يغيّره مثل ظهور عمل جديد لفيروز وزياد ولو فجأة وفي آخر السنة. قبل ركوبي سيارة اجرة اخرى، وجدت نفسي مبللا بالماء. لاحظت اني نسيت فتح مظلتي ولم اكترث لذلك، إذ كانت فيروز مظلتي وفي قلبي.

 

مـحــــمـد ســــويـد

 


"ولا كيف"
حين وقعت في شباك صوت فيروز، في بدايات المراهقة، اقفل عليّ وما عدت اعرف كيف اتحرر. دخل ايقاع حنجرتها الى من في القلب فاستفاق شوقان، شوق الى عذوبة الحب وشوق الى معرفة اسرار الوجود التي مفتاحها صوت احياناً، كما في البدء، الكلمة. وترافقنا ومرت الايام، واذ في شباكها كثر مثلي واكثر. وجاءت الكلمات والانغام حرساً لصوتها الذي لعلها لا تدري كم هو مفتاح للدهشة.

الى ان استقرت يدها في يد الرحباني زياد، ابنها، وبدأت الاصوات ترتفع مستحسنة حيناً، مستنكرة حيناً آخر، يروعها الجديد الذي لم تألفه وكأنه سلبها "فيروزها"، وكما في كل جديد، يمسحه الزمن ويجعله مقبولاً ثم جيداً ثم يرتفع ليلتحق بما سبقه. وها نحن اليوم مع "ولا كيف" عمل زياد وفيروز الجديد الذي اثار ضجة ثقافية فنية تكاد تضاهي ضجة مسرحية الارهاب العالمية الاخيرة.

سمعت من احدى الاذاعات اغنية "كلمة كلمة" الطائرة على لحن "لابامبا". هززت كتفي وعنقي، رقصت وضحكت وقلت ما بالها فيروز؟ وشاهدت "كليب" الخريف وسحرتني جملة "متل الهوا اللي مبلش عالخفيف". "خبرني عن اخبارو" كأنها صلاة ملحّة طالعة من الحرمان. وذهبت الى صديقي كميل استاذ الموسيقى وصاحب محل الاسطوانات فقال لي ان شريط "ولا كيف" يبيع كثيراً. خرجت من عنده ولم اشتر جديد فيروز، فأنا مع الواقفين على الحياد. ثم اسمعني صديقي ربيع عاشق فيروز المسحور مقطع "ياريت بيتك هون منو بعيد" من اغنية "شو بخاف" ابكتني "يا ريت" وذهبت واشتريت الشريط. وفي سيارتي "الميني"، من برمانا الى بعبدات، سمعته مرات ومرات، ثم فهمت.

زياد لا يلحن لفيروز ولا يلحن كلمات. هم زياد النغم الصادر عن كل آلة موسيقية، كيف ينبت من حناياها وكيف يمد يده الى نغم آخر مجاور لآلة اخرى فأخرى، وكيف تتشابك ترددات الانغام والايقاع لتشارك في عملية خلق موحدة جديدة تمتد جذورها الى: في البدء كان... وصوت فيروز يشارك الانغام سمفونيتها. حنجرتها آلة بشرية تمطر سحراً هنا وهناك مثل الكمان والترومبيت والبيانو الذي يرش فتات السكر متى يشاء زياد. اما الكلمات فاكثرها عادي تحمله الانغام، وقليلها ساحر يحمل الانغام.

"ولا كيف" باقة جميلة وجديدة وهدية فيروز وزياد الثمينة لتراث النغم، لوحدة تنسجها ذبذبات آلات الموسيقى وصوت سيدة تغني في بساطة بدايات الحب ونهاياته والخوف عليه والفرح الاتي منه ومن رحيله كذلك. صوت سيدة ترافقها انغام الجاز وهي ترنم لمريم البكر على شاطىء متوسطي.

حياة ابو فاضل